أسهمت بروتوكولات نظام الرعاية الوقائية في تحقيق إنجاز طبي جديد داخل المملكة، بعد أن تمكن فريق متخصص في قسم الكلى بمدينة الملك عبدالله الطبية بمكة المكرمة من اكتشاف طفرة جينية نادرة لدى مريض يبلغ من العمر 32 عامًا واثنين من أشقائه المصابين بذات الحالة.
إقرأ ايضاً:نصائح علمية تحمي حياتك.. ماذا تكشف التحاليل الأساسية بعد الأربعين؟انتفاضه تاريخية للنصر تحت قيادة جيسوس.. فهل تستمر هيمنة النصر محليًا وقاريًا؟
وجاء هذا الاكتشاف بعد سلسلة من الفحوصات الدقيقة، إذ أُحيل المريض إلى المدينة الطبية لإجراء خزعة كلوية، لكن النتائج الأولى لم توضح السبب الحقيقي لاعتلال الكلى، الأمر الذي دفع الفريق الطبي إلى إجراء تقييمات جينية معمقة.
ومن خلال التحاليل الوراثية المتقدمة، تمكن الفريق من تحديد طفرة جينية جديدة تحمل الرمز “IQCB1 NM_001023570.4”، وهي طفرة لم تُسجل سابقًا في قاعدة البيانات الطبية، وتم التأكد من وجودها لدى شقيقين آخرين من العائلة.
ويُعرف المرض المرتبط بهذه الطفرة باسم “Nephronophthisis”، وهو اضطراب وراثي نادر يؤثر على وظائف الكلى تدريجيًا، وغالبًا ما يؤدي إلى الفشل الكلوي في سن مبكرة إذا لم يتم تشخيصه بدقة.
وأكدت مدينة الملك عبدالله الطبية أن تحديد الطفرة الجينية شكّل نقلة نوعية في التعامل مع الحالة، إذ ساعد على الوصول إلى تشخيص واضح بعد فترة من الغموض الطبي.
كما أتاح الاكتشاف للفريق المعالج وضع خطة علاجية دقيقة تراعي تطور الحالة ومستقبلها، مع تقديم إرشادات واضحة للأسرة بشأن سبل الوقاية والمتابعة المنتظمة.
وأشار الأطباء إلى أن فهم التركيبة الجينية للحالات الوراثية يساعد في تحسين دقة التنبؤ بمسار المرض “Prognosis”، مما يسهم في اتخاذ قرارات علاجية أكثر فعالية.
وأوضحت المدينة الطبية أن الفائدة لم تقتصر على علاج المرضى الثلاثة فحسب، بل امتدت إلى العائلة بأكملها عبر توجيههم لإجراء الفحوص الجينية الوقائية.
كما تم استخدام نتائج الاكتشاف لتحديد المتبرعين المحتملين بالكلى من داخل الأسرة، ما يعزز فرص نجاح عمليات الزراعة ويقلل من المضاعفات المستقبلية.
وحرص الفريق الطبي على تقديم المشورة الوراثية لأفراد العائلة، لاسيما فيما يتعلق بزواج الأقارب الذي قد يرفع احتمالية انتقال الطفرات المسببة للأمراض إلى الأجيال التالية.
وبيّنت المدينة أن هذا النوع من الاكتشافات يعكس تطور قدرات المراكز الطبية السعودية في مجال الطب الجيني والبحث السريري المتقدم.
ويعد الإنجاز جزءًا من استراتيجية أوسع يتبناها تجمع مكة المكرمة الصحي لدمج تقنيات الفحص الوراثي في التشخيص المبكر للأمراض المزمنة.
كما يُمثل الاكتشاف تطبيقًا عمليًا لمفاهيم الطب الدقيق التي تسعى المملكة إلى ترسيخها ضمن منظومة الرعاية الصحية الحديثة.
وأكدت المدينة الطبية أن العمل على دراسة الطفرات الجينية المحلية يتيح إنشاء قاعدة بيانات وطنية تسهم في فهم أنماط الأمراض الوراثية في المجتمع السعودي.
وتسعى الجهات الصحية إلى تعزيز التعاون بين المراكز البحثية والمستشفيات الكبرى لتطوير أساليب التشخيص والعلاج المبني على الجينات.
ويرى الخبراء أن مثل هذه الاكتشافات تمهد الطريق أمام تقنيات العلاج الجيني المستقبلية التي قد تُحدث تحولًا في علاج أمراض الكلى الوراثية.
ويأتي هذا الإنجاز في سياق دعم مستهدفات برنامج التحول الصحي ضمن رؤية المملكة 2030، الذي يركز على الوقاية قبل العلاج ورفع جودة الحياة للمواطنين.
ويؤكد النجاح أن الاستثمار في البحث الطبي والتعليم المستمر للأطقم السعودية بدأ يثمر نتائج ملموسة تعزز مكانة المملكة في مجال الطب المتقدم.