من قلب صحراء أريزونا، أعلنت شركة «إنتل» عن تحول تاريخي في عالم التقنية، كاشفةً عن هندسة جديدة بالكامل للرقاقات تُعيد تعريف مفهوم الذكاء الاصطناعي في الحوسبة الحديثة، وذلك خلال حدث «رحلة إنتل التقنية 2025» الذي أقيم بمدينة فينيكس الأميركية.
إقرأ ايضاً:المنصات في مرمى الاتهامات والإجراءات… تقرير عن أدوات يوتيوب لصحة المستخدمين النفسيةأزمة قانونية جديدة تهدد عرش الأهلي.. مستشار قانوني يكشف تطورات جذرية قد تسحب لقب السوبر السعودي
وخلال الحدث الذي شاركت فيه «الشرق الأوسط» كوسيلة الإعلام الوحيدة من المنطقة، أكدت الشركة أن ما يجري يتجاوز حدود التطوير المعتاد، ويمثل ثورة هندسية تُغيّر جذرياً الطريقة التي تعمل بها الرقائق والمعالجات على مستوى عالمي.
وأوضح جيمس جونسون، نائب الرئيس الأول في «إنتل»، أن الشركة وصلت إلى «لحظة تحدث مرة واحدة في عمر الصناعة»، معلناً اعتماد تقنية «باور فيا» التي تنقل توصيل الطاقة إلى الجهة الخلفية من الرقاقة، في خطوة وصفها بالثورية وغير المسبوقة.
وتُعد «باور فيا» مع ترانزستورات «RibbonFET» بحجم 2 نانومتر جوهر خطة «إنتل» الطموحة المسماة «خمس عقد تصنيع في أربع سنوات»، والتي تستهدف من خلالها استعادة ريادتها في تصنيع أشباه الموصلات بحلول عام 2026.
وأشار ستيفن روبنسون، أحد الزملاء العلميين في الشركة، إلى أن ما يحدث هو تلاقٍ نادر بين الابتكار في التصميم والنضج في التصنيع، ما يجعل المرحلة الحالية فريدة في تاريخ التكنولوجيا.
من الناحية العملية، تحقق هذه التقنيات كفاءة طاقة أعلى بنسبة 30 في المائة مع زيادة في كثافة الأداء بنحو 10 في المائة، مما ينعكس إيجاباً على أداء الحواسيب ومراكز البيانات حول العالم.
وأوضح روبنسون أن القضية لم تعد مجرد تصغير الترانزستورات، بل إعادة التفكير في التفاعل بين كل عناصر النظام من مواد وموصلات وبرمجيات لتحقيق كفاءة تفوق أي جيل سابق.
وتُطلق «إنتل» على هذا التوجه مفهوم «التوافق الهندسي الشامل»، الذي يدمج الفيزياء والمنطق والذكاء الاصطناعي في دورة تصميم واحدة، معتبرةً إياه نقطة تحول هندسية في تاريخ الصناعة.
وعرض توماس بيترسن، الزميل العلمي في قسم المعمارية والبرمجيات بالشركة، الجيل الجديد من معالجات «Panther Lake» المخصصة للحواسيب الشخصية الذكية التي تنفذ مهام الذكاء الاصطناعي محلياً دون الاعتماد على السحابة.
وأوضح بيترسن أن هذه المعالجات ستجعل الحواسيب قادرة على الفهم والتحليل اللحظي، مشيراً إلى أن المرحلة القادمة ستشهد انتقالاً من «الذكاء المساعد» إلى «الذكاء الفاعل» الذي يتفاعل مع المستخدم ويتخذ قرارات ذاتية.
كما قدمت «إنتل» رؤيتها لحقبة جديدة من التعاون بين الإنسان والآلة عبر مفهوم «الذكاء الوكيلي»، الذي يحوّل الذكاء الاصطناعي من أداة إلى شريك في بيئة العمل المؤسسية.
وأكدت الشركة أن تمكين هذا النوع من الذكاء يتطلب بناء الثقة داخل العتاد نفسه، وليس في البرمجيات فقط، لذا طورت بيئات تنفيذ موثوقة وتقنيات عزل أمني تضمن سلامة النماذج والبيانات.
وفي مجال الاتصال، عرضت «إنتل» تقنيات «Wi-Fi 8» و«5G Advanced» التي تمهد لحقبة «الجيل السادس» (6G)، مؤكدة أن الذكاء الاصطناعي الفعّال لا يمكن أن يعمل دون اتصالٍ فائق السرعة وموثوق.
وأشارت الشركة إلى أن هذه التطورات تكتسب أهمية خاصة في الشرق الأوسط، حيث تسهم في دعم مشاريع المدن الذكية مثل «نيوم» والتحول الصناعي القائم على إنترنت الأشياء ضمن «رؤية السعودية 2030».
ورغم التركيز على الأداء، أكدت «إنتل» أن الاستدامة تظل محوراً أساسياً في استراتيجيتها، حيث تعمل على إعادة تدوير 95 في المائة من المياه في مصانعها والسعي إلى تحقيق صفر نفايات في الإنتاج.
وبيّن تيم ويلسون، نائب رئيس هندسة التصميم، أن الاستدامة أصبحت قيداً تصميمياً لا يمكن تجاوزه، مشيراً إلى أن تقنية «باور فيا» نفسها تقلل فقدان الطاقة داخل الرقاقة وتخفض الانبعاثات.
وامتد تأثير الحدث إلى المنطقة العربية، حيث أوضحت «إنتل» اهتمامها بتوسيع التعاون مع الجامعات وصناديق الاستثمار في الخليج لتطوير مهارات الذكاء الاصطناعي وصناعة الرقائق محلياً.
كما أكدت الشركة سعيها إلى «ديمقراطية الذكاء الاصطناعي» عبر معالجات «Gaudi3» و«Gaudi4» التي توفر تدريباً منخفض التكلفة للنماذج، مما يتيح للجامعات والشركات الناشئة تطوير حلولها الذكية الخاصة.
وفي ختام الحدث، شددت «إنتل» على أن رؤيتها تقوم على الانفتاح والاستدامة، معتبرةً نفسها «حارس تطور الحوسبة» من المعالج الأول إلى الذكاء الاصطناعي الذاتي، ومؤكدة أن المستقبل لا يمكن بناؤه إلا بالتعاون والثقة.