قال المحامي محمد الغامدي إن كثيرًا من قضايا الطلاق والحضانة والنفقة في المملكة لا تصل مباشرة إلى القاضي، بل تمر أولًا بمرحلة المصالحة التي تسعى إلى تقريب وجهات النظر بين الطرفين وتخفيف التوترات الأسرية.
إقرأ ايضاً:"8 فئات خارج التأمينات".. النظام يكشف عن الاستثناءات ويُثير التساؤلات حول وضع العامل الأجنبيالجمارك تكشف عن تفصيل مفاجئ .. هذا هو الحد الذي قد يُلزمك بدفع رسوم في المطار!
وأوضح الغامدي أن هذه المرحلة تعد خطوة أساسية في نظام العدالة السعودي، إذ تهدف إلى إنهاء النزاعات بطرق ودية قبل اللجوء إلى القضاء، وهو ما ينسجم مع رؤية المملكة في تعزيز الاستقرار الأسري والمجتمعي.
وأشار إلى أن الاتفاقات التي يتم التوصل إليها بين الزوجين في هذه المرحلة تحظى بالاعتراف القانوني الكامل، إذ يُعتد بها وتنفذ رسميًا حتى وإن خالفت تقدير المحكمة في بعض التفاصيل المالية أو الإجرائية.
وبيّن أن هذا الاعتداد يعكس ثقة النظام القضائي في إرادة الأطراف وقدرتهم على التفاهم، وهو ما يقلل من أعداد القضايا المطولة أمام المحاكم ويسهم في سرعة إنجاز الملفات الأسرية الحساسة.
وأضاف الغامدي أن وزارة العدل أطلقت منصة "تراضي" الرقمية لتكون وسيلة مبتكرة تجمع أطراف النزاع عبر الإنترنت، وتتيح لهم الوصول إلى اتفاق عادل دون الحاجة للحضور الفعلي إلى المقرات القضائية.
وأكد أن المنصة تُعد من أبرز التحولات الرقمية في قطاع العدالة، حيث وفرت حلولًا مرنة وسريعة للصلح، خاصة في القضايا التي تتعلق بالنفقة والحضانة والطلاق وما يتبعها من التزامات مالية.
وأوضح أن "تراضي" تتيح إجراء الجلسات عن بُعد بإشراف مختصين في الصلح، وتوثيق ما يتم الاتفاق عليه إلكترونيًا بطريقة تضمن السرية والالتزام القانوني الكامل للطرفين.
ولفت إلى أنه بمجرد التوصل إلى اتفاق، تصدر المنصة وثيقة صلح رسمية ملزمة، تُعتمد إلكترونيًا وتُعد بمثابة حكم قضائي واجب التنفيذ دون الحاجة إلى مراجعة المحكمة مرة أخرى.
وبيّن الغامدي أن هذه الآلية قللت من الضغط على المحاكم العامة والأحوال الشخصية، ووفرت على المتنازعين الوقت والجهد والتكاليف المرتبطة بحضور الجلسات التقليدية.
وأضاف أن التجربة أثبتت نجاحها في حل آلاف القضايا خلال فترة قصيرة، ما جعلها نموذجًا يُحتذى به في تطبيق العدالة الناجزة باستخدام الوسائل التقنية الحديثة.
وأكد أن الإقبال المتزايد على المنصة يعكس وعي المجتمع السعودي بأهمية الحلول الودية، ورغبته في تجاوز الخلافات العائلية بأسلوب حضاري قائم على الحوار والتفاهم.
وأشار إلى أن الوزارة حرصت على أن تكون المنصة متاحة للجميع بسهولة، من خلال واجهة استخدام بسيطة ودعم فني متواصل لضمان سير العملية دون تعقيدات.
وأوضح أن خدمات "تراضي" لا تقتصر على القضايا الزوجية فحسب، بل تمتد إلى نزاعات مالية وتجارية ومدنية، ما جعلها مظلة شاملة لمفهوم الصلح الإلكتروني في المملكة.
وقال إن هذه الخطوة تتماشى مع مستهدفات التحول الرقمي لرؤية المملكة 2030، التي تسعى إلى أتمتة الخدمات الحكومية وتحسين تجربة المستفيدين بطرق مبتكرة.
وأضاف أن الاعتماد على الصلح الإلكتروني ساعد في تخفيف الأعباء الإدارية، ورفع كفاءة النظام القضائي، وتسريع تنفيذ الأحكام بما يعزز الثقة في مؤسسات العدالة السعودية.
ويرى الغامدي أن هذه التجربة تمثل تحولًا جوهريًا في فلسفة التقاضي، حيث لم تعد العدالة مرادفة للتقاضي الطويل، بل أصبحت أقرب إلى مفهوم الإصلاح الشامل للأسرة والمجتمع.
وبيّن أن مستقبل العدالة الرقمية في المملكة يسير بخطى ثابتة، خاصة مع توسع الوزارة في تطوير منصات ذكية تخدم المواطنين والمقيمين بجودة أعلى وسرعة أكبر.
واختتم الغامدي تصريحه بالتأكيد على أن نجاح منصة "تراضي" هو نموذج عملي على كيف يمكن للتقنية أن تُسهم في صناعة مجتمع أكثر تلاحمًا، وعدالة أكثر قربًا من الناس.