في خطوة تعكس التزام المملكة بتعزيز أمنها البيئي، أطلق المركز الوطني لتنمية الحياة الفطرية بالتعاون مع جامعة الملك عبدالله للعلوم والتقنية برنامجًا وطنيًا لحماية البحر الأحمر والخليج العربي من الأنواع البحرية غير الأصيلة والغازية.
 إقرأ ايضاً:"أمانة منطقة الرياض" تفرض إجراءات صارمة وتضبط مخالفات خطيرة.. تعرف على أبرز الكواليس!تابع موجة الارتفاع الجديدة.. الذهب السعودي يواصل الصعود وعيار 21 يتخطى 424 ريالا
يُمثل البرنامج أول مبادرة وطنية منسقة تُعنى بإنشاء قاعدة بيانات شاملة لرصد وتتبع الأنواع البحرية الدخيلة، وهو ما يُعد تحولًا نوعيًا في جهود حماية التنوع الأحيائي البحري في السعودية.
ويعتمد البرنامج على تقنيات متقدمة مثل البصمة الوراثية، إلى جانب مسوحات ميدانية دقيقة وتحليل مسارات الملاحة، ما أتاح تطوير فهم علمي عميق لطبيعة الأنواع الغازية وطرق انتشارها.
النتائج الأولية كشفت عن وجود 181 نوعًا غير أصيل في البحر الأحمر و168 في الخليج العربي، مع تركزها في محيط البنى التحتية الساحلية، وهو ما يُسهل توجيه الجهود الرقابية والوقائية.
وتُعد هذه الإحصاءات مؤشرًا مهمًا على حجم التهديدات التي تواجه البيئة البحرية، خصوصًا في ظل التوسع الصناعي والاقتصادي الذي تشهده المملكة على سواحلها.
تمكن الفريق من بناء مكتبة وراثية هي الأولى من نوعها في المنطقة، تُستخدم كأداة سريعة للكشف عن الأنواع الغازية وتحديد هويتها بدقة، وهو ما يُعزز فعالية الاستجابة السريعة للمخاطر.
وإلى جانب الأثر العلمي، حرص البرنامج على نقل المعرفة من خلال تدريب الكفاءات الوطنية، ورفع جاهزيتها لمواجهة التحديات البيئية البحرية وفق المعايير الدولية.
ويُعد إنشاء الإطار الوطني للأمن الأحيائي البحري أحد مخرجات هذا المشروع، حيث يجري العمل عليه حاليًا بالتعاون مع الجهات ذات العلاقة لتفعيل خطة وطنية شاملة للوقاية والإدارة.
ويشمل الإطار المتوقع أنظمة للرصد المبكر، مجسات جزيئية دقيقة، أدوات تنبؤية، وحملات توعية، بما يضمن الاستجابة الفاعلة للتهديدات البيئية قبل تفاقمها.
البرنامج لا يكتفي بالتوثيق والتحليل، بل يطمح إلى بناء منظومة متكاملة تربط بين البحث العلمي وصنع القرار البيئي في المملكة بطريقة منهجية وفعالة.
وقال الدكتور محمد علي قربان إن البرنامج يُجسد التزام المملكة بالاستثمار في العلم من أجل البيئة، وهو جزء من رؤية 2030 التي تضع الاستدامة في صميم خطط التنمية.
وأضاف أن التعاون مع كاوست يعكس نموذجًا ناجحًا للشراكة بين المؤسسات الوطنية والبحثية، حيث يُترجم البحث العلمي إلى أدوات عملية قابلة للتطبيق.
ويأتي المشروع في سياق أوسع ضمن مبادرة السعودية الخضراء، التي تسعى إلى ترسيخ مفهوم التنمية المستدامة وحماية الموارد الطبيعية من المخاطر المتزايدة.
الأنواع الغازية تُعد تهديدًا عالميًا، لكنها تكتسب في البيئة البحرية السعودية بعدًا خاصًا نظرًا لحيوية البحر الأحمر والخليج كممرين تجاريين واستراتيجيين.
ويرى خبراء البيئة أن الجهود السعودية في هذا الإطار تمثل نموذجًا يُحتذى به إقليميًا، نظرًا لتكاملها بين التوثيق العلمي، والمراقبة الميدانية، وتطوير السياسات الوقائية.
وتمثل هذه المبادرة نقلة نوعية في السياسات البيئية البحرية، إذ تتحول من نمط الاستجابة المتأخرة إلى نهج الرصد المبكر والتخطيط الاستباقي.
كما أن هذا التوجه يدعم مستهدفات الأمن الأحيائي الوطني، ويُعزز من قدرة المملكة على مواجهة التحديات البيئية العابرة للحدود بمستوى عالٍ من الاحترافية.
ويُبرز البرنامج أهمية إدماج العلم في الحوكمة البيئية، حيث يصبح اتخاذ القرار مبنيًا على بيانات دقيقة ونماذج تحليلية تدعم السياسات الفاعلة.
وفي ظل التغيرات المناخية والضغوط البشرية على البيئات البحرية، تُعد مثل هذه البرامج ضرورة ملحة لضمان استدامة الثروات الطبيعية للأجيال القادمة.
 
                 
                             
                             
                             
                             
                            