دخل القطاع الصحي الخاص في المملكة العربية السعودية مرحلة جديدة من التحول الهيكلي، بعد أن أعلنت وزارة الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية، بالتعاون مع وزارة الصحة، عن بدء تطبيق المرحلة الثانية من قرار استراتيجي يهدف إلى رفع نسب التوطين في أربع مهن صحية حيوية، وذلك اعتباراً من اليوم السابع عشر من شهر أكتوبر لعام 2025 ميلادية، وهو ما يؤكد جدية الجهات الرسمية.
إقرأ ايضاً:"المركز الوطني للأرصاد" يطلق "تحذيراً عاجلاً".. رياح قوية وأتربة تضرب هذه المناطق اليوم!مرحلة جديدة.. التسجيل العيني للعقار يفرض شروطًا جديدة في تنظيم سوق العقارات السعودية
يأتي هذا القرار في إطار جهود متسارعة تهدف إلى تعزيز مشاركة الكفاءات الوطنية من الجنسين في سوق العمل الصحي، الذي يُعد من أكثر القطاعات نمواً وأهمية، وتوفير فرص وظيفية "منتجة ومحفزة" للمواطنين والمواطنات، بما يتماشى بشكل مباشر مع أهداف استراتيجية سوق العمل وبرنامج تحول القطاع الصحي الضخم، الذي تشرف عليه الحكومة.
وتعتبر هذه الخطوة جزءاً لا يتجزأ من منظومة الإصلاحات الواسعة التي تتبناها المملكة، حيث تنسجم هذه الإجراءات بشكل مباشر ومحوري مع المستهدفات الطموحة لـ "رؤية المملكة 2030"، والتي تضع تمكين الكوادر الوطنية في صلب أولوياتها، لضمان استدامة الخدمات الصحية بجودة عالية وكفاءة وطنية خالصة.
ويشتمل القرار على رفع نسب توطين محددة ومرتفعة لمهن صحية أساسية، تبدأ بمهنتي "التغذية العلاجية" و"العلاج الطبيعي"، حيث تم رفع نسبة التوطين فيهما لتصل إلى ثمانين بالمائة (80%)، وهي نسبة عالية جداً تعني أن أربعة من كل خمسة موظفين في هذه الأقسام يجب أن يكونوا من الكوادر السعودية المؤهلة، ما يشكل تحدياً وفرصة في آن واحد.
أما بالنسبة لمهنة "المختبرات الطبية" التي تلعب دوراً حاسماً في التشخيص والعلاج، فقد تقرر رفع نسبة التوطين فيها لتصل إلى سبعين بالمائة (70%)، في حين تم تحديد نسبة توطين مهنة "الأشعة" بخمسة وستين بالمائة (65%)، وهذه النسب تعكس التركيز على التخصصات النوعية التي تحتاج إلى استقرار وظيفي عالي، وتعد مطلوبة بشكل كبير.
ولم يقتصر القرار على تحديد نسب التوطين الإلزامية فحسب، بل شمل أيضاً وضع "الحد الأدنى للأجور"، كضمانة لاستقطاب أفضل الكفاءات والحفاظ عليها، حيث تم تحديد هذا الحد بسبعة آلاف ريال سعودي (7,000 ريال) للأخصائيين، وخمسة آلاف ريال سعودي (5,000 ريال) للفنيين، ما يرفع من جاذبية هذه المهن ويحسن مستوى المعيشة للعاملين فيها.
هذه القواعد الجديدة المتعلقة بنسب التوطين والحدود الدنيا للأجور، تم تطبيقها على جميع المنشآت الصحية العاملة ضمن القطاع الخاص، في مختلف مناطق ومحافظات المملكة دون استثناء، ما يدل على الشمولية والصرامة في تنفيذ القرار، وضمان عدم وجود أي ثغرات تسمح بالتهرب من هذه الترتيبات الجديدة المفروضة.
وقد أكدت وزارة الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية أنها لم تترك المنشآت الصحية تعمل في المجهول، حيث أتاحت عبر موقعها الإلكتروني الرسمي أدلة إجرائية مفصلة وواضحة، تبيّن كافة تفاصيل القرار وآليات تطبيقه خطوة بخطوة، داعية جميع المنشآت إلى ضرورة الالتزام التام بهذه التعليمات لتجنب العقوبات النظامية الرادعة، وهذا يشدد على جدية المتابعة.
وتأتي هذه التطورات لتمنح منشآت القطاع الخاص مجموعة سخية من برامج الدعم والمحفزات، التي تقدمها منظومة الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية بشكل متكامل، والتي تشمل دعماً مباشراً لعمليات استقطاب الكفاءات الوطنية، وتقديم برامج تدريب وتأهيل متخصصة تضمن جاهزيتهم لسوق العمل، وهذا يقلل من الأعباء المالية على المنشآت.
كما تشمل المحفزات أيضاً دعماً لعمليات التوظيف والاستمرار الوظيفي، إلى جانب منح أولوية الاستفادة من برامج صندوق تنمية الموارد البشرية المعروف باسم "هدف"، والذي يقدم حلولاً تمويلية ومساندة لوجستية للمنشآت الملتزمة بالتوطين، ما يجعل الالتزام بالقرار أمراً مربحاً للمنشآت على المدى البعيد، بدلاً من أن يكون عبئاً.
وتتولى وزارة الصحة، التي تُعد الشريك الاستراتيجي في هذا القرار، مهمة متابعة التنفيذ بدقة، بما يتناسب مع احتياجات سوق العمل الصحي الفعلي، لضمان تحقيق الأهداف المرجوة من التوطين، ورفع جودة الخدمات المقدمة للمستفيدين، مع التأكيد على أن الكفاءة والجودة هما الهدفان الأساسيان من هذه العملية التنظيمية المعقدة.
وأكدت الوزارتان استمرارهما في تعزيز جهودهما الوطنية المشتركة والمكثفة لتمكين الكفاءات الوطنية في مختلف المجالات، ورفع نسب مشاركتها في سوق العمل السعودي بشكل مستدام، وهي جهود تنبع من إيمان راسخ بضرورة الاعتماد على الطاقات الوطنية في قيادة القطاعات الحيوية، لتحقيق الاكتفاء الذاتي من الكفاءات.
ويرى المراقبون أن تحديد حد أدنى مرتفع للأجور يمثل خطوة متقدمة نحو "تنظيم الأجور" في القطاع الخاص الصحي، والقضاء على التفاوت غير العادل في الرواتب، ما يضمن بيئة عمل عادلة ومحفزة للأخصائيين والفنيين السعوديين، ويشجعهم على الانخراط في هذه المهن التي تعتبر عصب القطاع الصحي بأكمله.
تُعد المرحلة الثانية من هذا القرار بمثابة اختبار حقيقي لقدرة القطاع الخاص على التكيف السريع مع المتغيرات الحكومية، والانتقال إلى مرحلة الاعتماد الكامل على الكفاءات الوطنية، وهي خطوة ضرورية لضمان استقرار هذا القطاع الحيوي وعدم تأثره بأي متغيرات خارجية قد تطرأ على أسواق العمل العالمية والإقليمية.